عندما تُروى واقعة الطف بالنغم… قراءة في “طريق الحق”

بغداد-ارض العراق الإخبارية
بقلم: د. معروف الجلبي
قائد أبحاث – هندسة ميكانيكية فضائية
لم يكن لقائي المباشر مع الموسيقار المتميّز سليم سالم مجرّد لقاء عابر، بل كان لحظة اكتشاف حيّة لقامة موسيقية استثنائية طالما سمعت عن كفاءتها وتأثيرها في عالم الموسيقى. وقد اتضح لي بعد استماعي العميق والمتكرر لسمفونية “طريق الحق”، أن هذا العمل ليس مجرد إنتاج موسيقي، بل سرد فني عاطفي يتجاوز النغم ليلامس أعماق الوجدان.
السمفونية التي تناولت مآسي كربلاء وسيرة الإمام الحسين (ع)، جاءت كثيفة بالمشاعر والتفاصيل، وقد تجلت فيها قدرات المؤلف على المزج بين الخيال الفني والدقة التقنية بخبرة ملحوظة. أثناء استماعي، وجدت نفسي مضطراً لإعادة عدد من المقاطع مراراً، ليس فقط لجمالها، بل لما تحمله من معانٍ ودلالات تفتح أبواب التأمل.
بدأت السمفونية بلحن معبّر عن حالة النفاد واليأس التي شعر بها عامة الناس في الكوفة، ليأتي بعده قرار الرحيل ثم شدّ الرحال، حيث تطورت الإيقاعات لترسم لوحة حركية نابضة بالحياة. في الدقيقة (5:44 – 8:14)، تدرجت الموسيقى من الحماسة إلى الترقب، ثم إلى مشاهد المواجهة، حيث بدا كأن المستمع يعيش لحظة التفاف الغدر حول الموكب الحسيني.
بلغت ذروة المأساة مع بداية الهجوم واستشهاد الأصحاب، ثم لحظة سقوط الإمام الحسين (ع) في مشهد مأساوي بالغ التأثير، وصولاً إلى ضرب عنقه الشريف. وبعدها، نُقلت الأحاسيس من الذروة الدرامية إلى عمق الحزن في مشهد نحيب العائلة ومأساة السبايا، تلتها رحلة الأسر إلى الشام، حيث تميزت الموسيقى مرة أخرى بالتجسيد الحركي والانفعالي للمشهد.
وجاء ختام السمفونية مع خطبة السيدة زينب (ع) أمام يزيد، حيث تحوّلت الموسيقى إلى صوت ناطق بالحقيقة، معبرة عن الرفض والشجاعة والفضح، في مشهد يتجاوز المأساة إلى الموقف البطولي والرسالي.
لقد استطاع الأستاذ سليم سالم أن يجعل من الموسيقى وثيقة تاريخية، لا تُروى بالكلمات، بل تُحسّ وتُعاش من خلال النغم والتكوين الفني. إنها سمفونية لا تُسمع فحسب، بل تُستحضر من خلالها مشاهد البطولة والتضحية في كربلاء، لترسخ في الذاكرة والوجدان معاً.
نرفع القبعة احتراماً لهذا العمل، ولقامته الموسيقية التي تستحق كل تقدير.