قراءة في قصيدة “ما بالُ دهرك” للشاعر الدكتور رحيم الغرباوي،
بقلم: أ.م.د. ربا رباعي/ الأردن-تعريف بالمؤلف: رحيم الغرباوي

متابعة -ارض العراق الإخبارية
بقلم: أ.م.د. ربا رباعي/ الأردن-تعريف بالمؤلف: رحيم الغرباوي
رحيم الغرباوي شاعر وناقد وأكاديمي عراقي، يُعدّ من الأصوات الشعرية المتميزة في المشهد الأدبي العربي المعاصر. كتب في الشعر والنقد، واهتم بالقضايا الإنسانية والوجودية، حيث تتداخل في نصوصه الهموم الوطنية مع التجربة الذاتية. يمتلك أسلوبًا مميزًا يجمع بين العمق الفلسفي والبُعد الرمزي، ويتميّز باستخدامه الكثيف للصور البلاغية والانزياحات اللغوية التي تمنح نصوصه طاقة دلالية عالية.
-مقدمة تحليلية للنص:
نص “ما بالُ دهرك” قصيدة تتخذ من خطاب الزمن محورًا رئيسًا، حيث يخاطب الشاعر الدهر بوصفه كيانًا وجوديًا متعاليًا، يمارس سطوته على الإنسان والمكان معًا. يعكس النص موقفًا احتجاجيًا تجاه قسوة الزمن واستمرار دورانه بلا هوادة، كاشفًا عن قلق وجودي عميق يرتبط بمأساوية الواقع وعبثية المصير. وتتضح في النص جدلية بين الثبات والتحول، بين الذاتي والموضوعي، بين المصير والفعل، وهي ثنائية تُمثّل جوهر التجربة الشعرية فيه.
-حركية الدالة النصية:
تتحرك الدالة النصية في هذا النص بين قطبين: الدهر بوصفه رمزًا للزمن القاهر والمتجبر، والذات الشاعرة بوصفها فاعلًا مأزوما يبحث عن معنى وسط العبث والانهيار. فالدهر لا يَبلى “ولا يقفُ”، بينما الذات تتأمل مصيرها المتآكل في وطنٍ “يُبتلى القوم ما شاءت بهم جيفُ”.
تتوالى الدوال الشعرية لتؤسس خطابًا يقوم على نقد الواقع، والتأمل في المصير، واستنهاض الذات في مواجهة القدر والفساد. وتتحول الذات من موقع المتلقي السلبي إلى ذات فاعلة في نهاية النص، حيث يدعو الشاعر إلى “صبر جميل” ويقابل الليل المظلم بفجر النهار كرمز للأمل والانكشاف.
يعتمد النص اعتمادًا جليًا على الانزياح اللغوي بوصفه آلية جمالية ودلالية، تنأى بالكلام عن المألوف، وتدفع بالقارئ إلى تأويلات متعددة عن طريق:
1. الاستعارة: في قوله: “ما بالُ دهرك لا يَبلى ولا يقفُ”
إذ جعل من الدهر كائناً حياً لا يشيخ ولا يتوقف، ما يمنحه صفة الوحش اللامبالي بمصائر البشر.
2. المجاز المركّب: ومنه: “وهل للمُوبِقِ التَّرَفُ؟”
يجمع المجاز هنا بين مفارقة أخلاقية وفكرية: كيف لمن يهلك نفسه (المُوبق) أن يعيش الترف؟ وهي صورة تدين المجتمع الغارق في العبث.
3. الانزياح الدلالي: ومنه في قوله: “فالليل ليس له شيءٌ يبددهُ سوى النهارِ”
وهي جملة تحمل بعدًا وجوديًا: الظلمة الكونية (الليل) لا يبددها سوى كشف الحقيقة (النهار)، وكأنها دعوة لإزالة الغشاوة عبر الوعي.
4. التناص مع القرآن الكريم: ومن ذلك قوله: “صبرٌ جميلٌ”
ترد مباشرة من الخطاب القرآني، ما يمنحها دلالة إيمانية تتقاطع مع الصبر بوصفه فعلًا إراديًا وواعيًا في مواجهة الشدائد.
شواهد واقتباسات داعمة:
“ما بالُ دهرك لا يَبلى ولا يقفُ”: بداية صادمة تشي بعلاقة مضطربة مع الزمن.
“أبحرْ فقد شاءتْ الأقدار في وطنٍ / أنْ يُبتلى القوم ما شاءت بهم جيفُ”: تصوير مأساوي للواقع الوطني، حيث الأقدار تُساق بالجثث والدمار.
“فالليلُ ليس له شيءٌ يبددهُ / سوى النهارِ، كذاك الدهر ينكشفُ”: صورة شعرية تؤكد جدلية الأمل والانكشاف بعد طول قهر.
نستشف أنَّ الشاعر يخرج من موقع الإدانة إلى موقع الفعل والتجاوز، إذ يدعو إلى الصبر الجميل، ويفتح كوة في جدار العتمة عبر استحضار النهار، رمزًا للتحول والخلاص. القصيدة بذلك، ليست فقط تأملًا في الزمن بل احتجاجًا عليه، وموقفًا أخلاقيًا من واقعٍ مأزوم.
توصية:
يوصى بقراءة هذا النص في سياق المقارنة مع نصوص شعرية عربية حداثية تتناول مفهوم الزمن والقدر، لاكتشاف كيف يتموضع الشاعر في مواجهة القوى المتعالية (كالدهر والمصير)، وكيف تساهم البنية الشعرية – بما تحمله من انزياحات واستعارات – في تعميق الدلالة، وصناعة نص شعري مفتوح على التأويل.